أتهـزأ بـي؟
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب وقال: يا كريم، فقال النبي خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى النبي وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك، ورشاقة قدك، لشكوتك إلى حبيبي، محمد صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب، فقال الأعرابي: لا، فقال النبي: فما إيمانك به، فقال: آمنت بنبوته ولم أره، وصدَّقت برسالته ولم ألقه، فقال النبي: يا أعرابي، اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الآخرة، فأقبل الأعرابي يقبـِّل يد النبي، فقال النبي: مه يا أخا العرب، لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبراً ولا متجبراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، فهبط جبريل على النبي وقال له: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابي، لا يغرَّنه حلمنا ولا كرمنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقـِطمير، فقال الأعرابي: أو يحاسبني ربي يا رسول الله؟ قال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله، إن حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ فقال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي، حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فبكى النبي حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل على النبي وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: يا محمد قلـّل من بكائك فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم، قل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك في الجنة